الفصل الثامن: عادات الناس وأديانهم

وتعتبر عادات الناس وأديانهم.

كمن يرى أنه يأكل الباقلاء الأخضر ، فإنه عند الصابئة : مال حرام ، ونكد ؛ لأنه محرم عليهم.

والمجوس يحرمون لحوم البقر ، واليهود يحرمون لحوم الجزور ، وبعض اليونان يحرمون لحوم الدجاج ، والإسلام يحرمون الخمر ، فهذا وما أشبهه : حرام عند من يرى ذلك ، وأرزاق وفوائد عند من يحلها.

آما أن المرأة إذا رأت أنها تزني ، والناس يبصرونها : فهي شهرة ردية ، ونكد. فإن كانت بالهند : دل على أنها تتقرب ، وتشتهر بعبادة ، وبر ، ويكون لها ثناء مليح ، لأنهم يتقربون إلى االله تعالى بالزنا. جل االله تعالى عن ذلك.

آما أن المجوس تعبد النار ، فإذا رأى أحدهم كأنه قد أوقد نارًا ، أو صرف عنها الأذى ، أوسجدلها:كان ذلك عندهم جيدًا،وفائدة،وعبادة.وكذلك ُعّباد الشمس إذا رأوها:في صفة حسنة.

وأما إن نزلت بأحدهم آفة :

فنقصان يقع في دينهم ، وبلادهم. وكذلك كل من يعبد شيئًا ، كان حكمه كذلك ، سوا ًء كان في السماء ، أو في الأرض ، أو ُتعظمه. فإن نزلت بأحدهم نقصان ، فإنه يدخل عليهم في دينهم ، أو بلادهم ، أمر ردئ .

قال المصنف :

الباقلاء الأخضر تحرمه الصابئة لكون من يعظمونه كان يقول : مبدأي من نواره ، وقوتي من أخضره ، ويابسه مباح لكم. وجميع أهل الأديان كلهم رسموا عادات لتباعهم ضبطًا لهم عن التعدي عن شرعهم ، فصارت قائمة مقام الدين المشروع عندهم . وإنما ذآرت ذلك لئلا يقول قائل : هذا ليس بمحرم في أصل الشرع ؛ فكيف حكمت عليه بأنه حرام ، أو بدعة ، أو أنه مخالف ؟ فيكون الجواب ما ذكرناه لئلا يهمل في التأويل نفع الحكم عندها ، أو قريبًا منها ، فاعلم ذلك.

والهنود اتخذت بيوت الُبد ِّ وهو من آان له مال بنى مكانًا ، وأوقف عليه جواري يمدحونه في أوقات مخصوصة بما آان يفعل. وعبادهم يقصدون هذه الأماآن ليترحموا على صاحبه.

فلذلك العابد أن يزني مع أي من اختار من تلك الجواري خاصة ، يقصد بذلك إيصال الثواب لتلك الجارية ، فصار ذلك غير منكور عندهم. ولما أن عظم عباد الشمس والنار بالسجود لها ولسائر الأنوار إكرامًا لخالقها عز وجل اعتقد جهالهم أنها آلهة ، صار حكمهم حكم الدين ، فلذلك مهما حدث فيهم من خير أو شر رجع إلى دينهم فاعرف ذلك.


كاتب تفسير الاحلامالبدر المنير في علم التعبير – لامام الشهاب العابر المقدسي الحنبلي